للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاصٍ يعلم هو وغيرُه أنه عاصٍ، [٢/ ١٨٣] ولا يتأتى له إنكار ولا اعتذار (١)؟

قلت: لو كان كذلك لكان الناس مجبورين على اعتقاد الحق، فلا يستحقُّون عليه حمدًا ولا كمالًا ولا ثوابًا، ولكانوا مُكرَهين على الاعتراف، كمن كان في مكان مظلم، فزعم أن ذاك الوقت ليل، وراهن على ذلك، ففُتحت الأبواب، فإذا الشمس في كبد السماء. ولكانوا قريبًا من المُكرَهين على الطاعة من عملٍ وكفٍّ، لفوات كثير من الشبهات التي يتعلل بها من


(١) علق الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة على هذا الموضع ما لفظه: "يريد الشيخ بالسؤال والجواب أن يبيِّن حكمة الله تعالى في ابتلاء الناس بالهوى والشبهات والشهوات، ليحصل الجهاد والابتلاء، ويحمد المجاهد ويؤجر، وإلا فوضوح الحق والباطل أمر لاخفاء به، ليهلك من هلك من بينة، ويحيى من حي عن بينة".
وعلق على ما يأتي أول الفصل الثالث ما لفظه: "الحق أن حجج الله تعالى التي سماها بيِّنات هي مكشوفة واضحة لا خفاء بها، وإنما تخفى على من في قلبه كِنٌّ، وفي أذنيه وقر، وعلى بصره غشاوة من هواه وأخلاقه وما اعتاد".
قال المؤلف: لا أراه يخفى أن مرادي بالقضية المكشوفة القاهرة هو أن تكون بحيث لا تخفى هي ولا إفادتها اليقين على عاقل، حتى لو زعم زاعم أنه يجهلها، أو أنه يعتقد عدم دلالتها أو يرتاب فيها، لقطع العقلاء بأنه إما مجنون الجنونَ المنافيَ للتكليف أو كاذب. ولا يخفى أنه ليس جميع حجج الحق هكذا، ولكنها بيِّنات البيانَ الذي تحصل به الهداية وتقوم به الحجة. ثم هي على ضربين: الضرب الأول: الحجج التي توصل الإنسان إلى أن يتبين له أنه يجب عليه أن يكون مسلما. الثاني: ما بعد ذلك، فالأول حجج واضحة، لكن من اتبع هوًى قد بان أنه يصد عن الحق، أو قصّر في القيام بما قد بان أن عليه أن يقوم به= فقد يرتاب أو يجهل. والضرب الثاني على درجات، منه ما هو في معنى الأول فيكفر المخطئ فيه، ومنه ما لا يكفر ولكن يؤاخذ، ومنه ما يعذر، ومنه ما يؤجر أيضًا على اجتهاده. [المؤلف]