فإما أن يترجح المعنى الثاني، وتكون فائدة ذاك القول أن مَن ورد ماءً فوجده متغيرًا، فإن كان من الكثرة بحيث لا يُعرف في العادة أن تقع فيه نجاسة تُغَيِّره، فله استعماله بدون بحث. وإن كان دون ذلك فعليه أن يَتروَّى ويبحث. وإما أن يُحمَل على المعنى الأول، ويُطرَح مفهومه، ويقال: لعل ذاك القول كان عند سؤال عن ماء بذاك المقدار وقعت فيه نجاسة ولم تغيِّره، فذكر الأربعين لموافقة الواقع لا للتقييد.
هذا، ولم أجد عن المتقدمين من الفقهاء وغيرهم حرفًا واحدًا فيه التفاتٌ إلى ما اعتمده الحنفية من اعتبار مساحة وجه الماء دون مقداره. وكأنَّ الأستاذ شعر بهذا، فحاول عبثًا أن يُشرك مع مذهبه في ذلك مذهبَ القلتين، إذ قال:"لم يأخذ به أحد من الفقهاء قبل المائتين". وقد عَلِمتَ أنَّ القول بالقلَّتين مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم عن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم.
فأما الحنفية، فذهبوا في الجملة إلى الفرق بين القليل والكثير، لكنهم لم يعتبروا مقدار الماء في نفسه، وإنما نظروا إلى مساحة وجهه، وعندهم في ذلك روايات:
الأولى: أن الماء الراكد الذي تقع فيه نجاسة لا تُغَيِّر أحد أوصافه، إذا كانت مساحة وجهه بحيث يظن المحتاجُ خلوصَ النجاسة من أحد طرفيه إلى الآخر= تنجَّس (١)، وإلا فلا.
(١) في الأصل: "بنجس"، ولعل الصواب ما أثبتُّه كما سيأتي في السطر التالي. ويمكن أن يكون "ينْجَسُ".