١٣٣٢) ما لفظه: «وسئل (ابن شُبرمة) عن رجل ... كلامًا يطول»، فجَزْم النظَّام بأن ذلك كذبٌ ــ أي حيث لا قرينة ــ موافقٌ لما تقدم، وأما الجاحظ فإنه جزم بأن أدنى منازلِه أن لا يسمى صدقًا، وتوقف عن الجزم بأنه يسمى كذبًا.
وكأن علماء البيان لم يلتفتوا إلى هذا التوقف؛ لأن الجاحظ موافقٌ على أن الخبر إذا خالف الواقع ولم يعتقد المخبر مطابقته فهو كذب، وموافقٌ على أن المعنى الذي يُقضى به للخبر هو الظاهر الراجح، فلزمه الجزم بأن ذلك كذبٌ، فلا عبرة بتوقفه.
وقد يقال: لعله إنما توقف لأن هناك قرينة قد يعرفها بعض السامعين دون بعض، فلا يطلق على الخبر: كذب؛ لأن منهم من يعرف القرينة فلا يفهم خلاف الواقع، ولا يطلق عليه: صدق؛ لأن منهم من لا يعرف القرينة فيفهم خلاف الواقع.
فإن كان إنما لحظ هذا فلا نزاع في ذلك؛ فإن الخبر صدقٌ بالنظر إلى من يعرف القرينة، وكذبٌ بالنظر إلى من لا يعرفها، فليس بصدقٍ مطلقًا، ولا كذبٍ مطلقًا، والجمهور لا ينازعون في هذا.
[إرادة المخبر وإضماره]
إذا كان للخبر معنى ظاهر راجح، ويحتمل احتمالًا مرجوحًا معنًى آخر، وقد أراد المخبر عند بناء الخبر أن يكون كذلك= فلا ريب أنه أراد أن يكون المعنى الذي حقه أن يفهم من الخبر هو الظاهر الراجح، ثم قد يضمر في نفسه المعنى الراجح، وقد يضمر المرجوح.
ومعنى الإضمار: أن يخيّل لنفسه عند تلفظه بالخبر أنه يقصد به هذا