للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شكلها هو الموافق للصواب. ولا أحصي كم مرة جرى لنا مثل هذا، حتى إننا نتعجب بعد التبيُّن كيف قرأناها أولًا على خلاف الصواب!

الوجه الثاني: أنَّ من الأغلاط التي تقع في النسخ القلمية ما لا يكاد يخفى على أحد.

مثال ذلك: أن تقع هذه الكلمة في أول الخطبة "الحمد لله" بنقطة فوق الحاء، أو تحتها، أو فوق الدال، أو تكون بدل الدال راء، أو يسقط منها الميم، أو تزاد ميم أخرى، أو تقدَّم الميم على الحاء.

فإن قلتم: يطبعها كما في الأصل، فلا يخفى ما فيه من الشناعة التي تُزهِّد الناسَ في الكتاب.

وإن قلتم: أما مثل هذا فينبغي إصلاحه.

قيل لكم: فقد تركتم التطبيق. ومع ذلك فإن كان المصحح قليل المعرفة، فلا بد أن يخبط خبط عشواء (١)، كما قدَّمنا في الكلام على العمل


(١) كتب المؤلف بعده كلامًا، ثم ضرب عليه، وننقله هنا للفائدة: "فقد رأينا من المشهورين بالعلم من إذا رأى اسم "عيَّاش" في موضع هو فيه صحيح أصلحها: "عباس". وهكذا في كلمة "السيباني" أو "السيناني" يصلحها: "الشيباني". وهكذا في اسم "حمار" أو "حِمّان" أو نحوهما يصلحه: "حمَّاد"؛ وغير ذلك. وإذا كان لك إلمام بكتب الحديث ورجاله علمتَ كثرة هذا الضرب.
وقد رأينا منه ما لا يُحصى، حتى إنَّ بعض الأعيان الذي [في الأصل: "الذين"] كان موكولًا إليه أن يتعقبنا في النظر في تجارب الطبع، ليصلح ما لعلَّه خفي علينا أنه غلطٌ، وجد مرةً كلمة "المَرُّوذي" في موضع هي فيه صحيحة، فأصلحها: "المَرْوزي". وكذلك "السَّيباني" أصلحها: "الشَّيباني". وكذلك في نسب "محمد بن شعيب بن شابور" أصلحها: "سابور". وكذلك "مروان الأصفر" أصلحها: "مروان الأصغر". وكذلك كلمة "بأَخَرة" من قولهم: "تغيَّر بأَخَرةٍ" أصلحها: "بآخِره"، في أشياء أخرى.
وقد وقعت أشياء من ذلك لمشاهير العصر. ووقع لي نفسي أشياء من ذلك، تنبَّهتُ لها فيما بعد. ولا أشكُّ أنها بقيت أشياء لم أتنبَّه لها بعدُ. ولعلِّي أذكر فيما يأتي أمثلة ذلك عند الإفاضة في أسباب الوقوع في الغلط.
وأعظم سبب في ذلك هو الاعتماد على الظن. وإذا كان الاعتماد على الظن كثيرًا ما يوقع أهل المعرفة في الغلط، فما بالك بمن ليس منهم! على أننا وجدنا بالخبرة والممارسة أنَّ قليل العلم أكثر اعتمادًا على ظنِّه من العالم رغمًا عمَّا يقتضيه المعقول من أن الغالب صوابُ ظنِّ العالم وخطأ ظنِّ من ليس بعالم".