وقد ذهب جماعة من المتأخرين إلى أن أحاديث الصحيحين تفيد العلم. ووجهوا ذلك بأنها تُلقِّيت بالقبول، والتلقي بالقبول عندهم يفيد العلم، وسيأتي ما فيه. لكن رأيت عن العلامة محمد أنور الديوبندي أنه وافقهم في إفادة العلم، ووجَّهه بمعنى ما تقدم (١).
ويتأكد ذلك بأن كثيرًا من الأئمة المعاصرين [ص ٣٢] للشيخين والمتأخرين عنهم، اطلعوا على الصحيحين، وشهدوا لما فيهما بالصحة، وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث في ذلك.
الخامس: قالوا: ومما يفيد العلم ما أُجمِع على صحته، أو تُلقِّي بالقبول، بأن كان أهل العلم بين محتجٍّ به ومتأولٍ له، أو أُجمِع على الحكم الذي يدل عليه.
وردَّ بعضهم ذلك بأنه مبني على الإجماع، والكلام في الإجماع معروف، فإن من سلَّم حجية الإجماع يقول: إن العلم به قطعًا محال؛ لأنه يتوقف على النقل المفيد للعلم عن كل فرد من أهل عصر الإجماع، بحيث يُعلم قطعًا أنه لم يبق أحد منهم إلا ونقل عنه كذلك.
وأما الإجماع السكوتي فمختلف فيه، وممن ردَّه الإمامان الشافعي وأحمد، كما أنكرا العلم بالإجماع في غير أركان الدين، كفرضية الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك مما إن خالف فيه مخالف كفر، فالعلم بالإجماع فيها إنما هو لهذا، أعني: لأن من خالف كفر، فخرج عن الاعتداد بقوله.