ومع هذا، فتأويل العالم لحديثٍ لا يستلزم قوله بصحته؛ فإن كثيرًا من أهل العلم يتأولون الحديث وهم متوقفون في صحته، كأن أحدهم يقول: إن صحَّ فهذا تأويله، وربما يضعِّف أحدهم الخبر ثم يتأوله.
وهكذا الإجماع على حكم لا يستلزم صحة ما يُروى فيه. ألا ترى أنه لا يمتنع أن يَعمِد كذّاب إلى حكم مجمع عليه فيضع على وفقه حديثًا؟
أقول: قد سلَّم الإمامان الشافعي وأحمد أن العارف بأقوالِ مَن سلف من أهل العلم إذا عرف قول جماعة منهم ولم يعلم لهم مخالفًا بعد البحث= يكون هذا حجة في الجملة. فأقلُّ أحوال هذا أن يكون من أعظم ما يساعد على قطعية الخبر.
وتأويل العالم للخبر مع عدم تصريحه بضعفه يدل على أنه لم يعرف فيه مطعنًا، وذلك مما يقوِّيه.
وأما قولكم: إن الإجماع على حكم لا يستلزم صحة ما يُروى فيه، فهذا فيما إذا ظهر للإجماع مستندٌ غير ذلك الخبر، فأما إذا لم يظهر غيره ــ وهو في نفسه منقول نقلًا صحيحًا ــ فالظاهر أنه هو مستندهم، وبذلك يكون الظاهر أنهم اتفقوا على صحته.
وقد أيَّد هذا بعض الأجلّة بأن تجويز بطلان ذلك الخبر لاحتمال أن يكون المستند غيره= اتهامٌ للأمة بأنها أهملت الحجة الصحيحة فلم تُنبِّه عليها، أو لم تُعْنَ بها، أو لم تنقلْها، واعتنت بنقلِ ما ليس بصحيح في ذلك المعنى بعينه. وهذا بغاية البعد.