للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكلام على قوله تعالى حكاية عن خليله عليه السلام: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤)}.

ومثل هذه الحكايات شائعة بين جهلة الوثنيين في الهند، وعقلاؤهم ينكرونها. وذكر البيروني في كتابه "تحقيق ما للهند من مقوله مقبولة في العقل أو مرذوله" (١) أنَّ البراهمة كتبوا إلى أرسطو أنه بلغهم أن اليونانيين يزعمون أن الأصنام تكلِّمهم، فأجابهم أرسطو أنه لا يعلم بذلك. وقد تقدَّمت عبارة البيروني (٢).

والذي يزعم ذلك من الوثنيين يوجِّهونه بأنَّ الروحاني الذي جُعل الصنم تمثالًا له قد يتقمَّص ذلك الصنم ويتكلَّم منه، وليسوا يزعمون أنَّ الصنم نفسه يتكلَّم. والموحِّدون يحملون ذلك ــ على فرض صحته ــ بأنَّ الشيطان قد يدخل في جوف الصنم فيتكلَّم منه، وقد [٣٦٦] علمت مما تقدَّم في الكلام على اللات والعزى ومناة أنَّ الشياطين يرون أنه ليس في الوجود إناث غيبيات إلَّا من الشياطين، فادَّعوا أنَّ المشركين إنما يعبدون إناثًا من الشياطين.

فأما الأعمال الظاهرة التي يفعلها عُبَّاد الأصنام بها، فمنها:

العكوف عليها. جاء في القرآن في قوم إبراهيم: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} , وفي القوم الذين مر عليهم بنو إسرائيل: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]، وفي الحديث


(١) ص ٩٥.
(٢) ملحق ص ٩١ [المؤلف]، وصواب الرقم ٢٩١. وهو في طبعتنا ص ٥٦٦.