للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلق الأرض في يومين، ثم إنه في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدَّر فيها أقواتها. وهذه الأحوال لا يمكن إدخالها في الوجود إلا بعد أن صارت الأرض منبسطة. ثم إنه تعالى قال بعد ذلك: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} فهذا يقتضي أنَّ الله تعالى خلق السماء بعد خلق الأرض، وبعد أن جعلها مدحوَّة؛ وحينئذ يعود السؤال. ثم قال: والمختار عندي أن يقال: خلقُ السماء مقدَّم على خلق الأرض. وتأويل الآية أن يقال: الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد. والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩]. فلو كان الخلق عبارة عن الإيجاد لصار تقديرُ الآية: أوجده من تراب، ثم قال له: كن، فيكون؛ وهذا محال. فثبت أنَّ الخلق ليس عبارة عن الإيجاد، والتقدير في حق الله تعالى هو كلمته بأن سيوجده. إذا ثبت هذا فنقول: قوله تعالى: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} معناه أنه قضى بحدوثها في يومين وقضاءُ الله تعالى أنه سيحدث كذا في مدَّة كذا لا يقتضي حدوثَ ذلك الشيء في الحال. فقضاءُ الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدَّم على إحداث السماء، وحينئذ يزول السؤال» (١).

[٢/ب] أقول: هذا الوجه بعيد جدًّا، لأن الله يقول في سورة البقرة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}

[٢٩]. وقال في حم السجدة: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [٩ - ١١].


(١) انظر: «مفاتيح الغيب» (٢٧/ ٥٤٦، ٥٤٩).