اختلف الباحثون في أصل اللغة، وظهر لي في ذلك شيء هو في نظري أصحُّ ما يُقال في هذا الباب، ولعلّي أكون أوَّلَ مَنْ تنبَّه له. المعذرةُ أيها القارئ! فلعلّي أكون مخطئًا في اعتقادي هذا. وقد كان يجب عليَّ أن أستوعب ما قيل في هذا الموضوع قبل أن أُبدي ما عندي، ولكن لم يتيسَّر لي ذلك في الحال، وعلمت أنَّ للمخلّفاتِ ــ كما قيل ــ آفاتٍ.
وقبل بيان ما ظهر لي، أذكرُ ما وقفتُ عليه من آراء الناس في هذا الباب.
الرأي الأول: أنَّ اللغة من وضع الخالق عز وجل.
ثم اختلف أصحاب هذا الرأي. فقال بعضهم: علَّمها الله عز وجل آدمَ محتجِّين بقوله عز وجل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البقرة: ٣١]، مع ما في الحديث الصحيح أنَّ الناس يوم القيامة يأتون يقولون لآدم:«وعلَّمك أسماء كلّ شيء»(١)، ثمَّ علَّمها آدمُ بنيه فتوارثوها.
وقال آخرون: بل بالوحي إلى الأنبياء. وقال غيرهم: بل بالإلهام.
الرأي الثاني: أنَّ الواضع لها هم البشر، ثم اختلف هؤلاء.
فقال فريق منهم: إنَّ بين الألفاظ والمعاني مناسَباتٍ طَبْعيَّة تفطَّن لها الواضع. ومنهم مَنْ فسَّر هذا بأن المراد بالمناسبة أنَّ للحروف صفاتٍ