الراوي بما قد يقع له فيه من كذب يسير لا يترتب عليه ضرر.
والأستاذ يرمي بعض أئمة السنة فمَن دونهم مِن ثقات الرواة بتعمّد الكذب في الرواية وفي الجرح والتعديل كذبًا يترتب عليه الضرر الشديد والفساد الكبير، ثم يزعم أنه إنما يقدح بذلك فيما لا يقبله هو منهم، فأما ما عداه فإنهم يكونون فيه عدولًا مقبولين ثقات مأمونين. وكأنه يقول: وإذا لزم أن يسقطوا البتة فليسقطوا جميعًا! وليت شعري مَن الذي يعادي أبا حنيفة؟ أمن يقتضي صنيعه أنه لا يمكن الذبُّ عنه إلا بمثل هذا الباطل، أم مَن يقول: يمكن المتحرِّي للحق أن يذبَّ عنه بدون ذلك؟
تنبيه:
ليس من الكذب ما يكون الخبر ظاهرًا في خلاف الواقع، محتملًا للواقع احتمالًا قريبًا، وهناك قرينة تدافع ذاك الظهور، بحيث إذا تدبرها السامعُ صار الخبر عنده محتملًا للمعنيين على السواء، كالمجمل الذي له ظاهر ووقت العمل به لم يجئ، وكالكلام المرخَّص فيه في الحرب، وكالتدليس، فإن المعروف بالتدليس لا يبقى قوله:"قال فلان" ــ ويسمي شيخًا له ــ ظاهرًا في الاتصال بل يكون محتملًا، وهكذا من عُرِف بالمزاح إذا مَزَح بكلمة يعرف الحاضرون أنه لم يُرِدْ بها ظاهرها، وإن كان فيهم من لا يعرف ذلك، إذا كان المقصود ملاطفته أو تأديبه على أن ينبَّه في المجلس. وهكذا فلتات الغضب، وكلمات التنفير عن الغلو ــ وقد مرت الإشارة إليها في الفصل الثالث (١) ــ، على فرض أنه وقع فيها ما يظهر منه خلاف الواقع.