للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيَرِد عليه ما ورد على الوجه الذي ذكره المفسِّر (١)، هذا مع أنَّ ظاهر السياق لا يحُدُّه (٢).

ثم قلت: ومع كون الوجه الأول هو الراجح نظرًا، فهو المتبادر، وحكيتُ ما خطر لي أوّلًا.

وبعد ذلك قال سيِّدنا أيَّده الله: قد سبق لي مثل هذا في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٣]، فقال الخطيب (٣): إنَّ المجيء بِـ (مِنْ) التبعيضيّة إشارةٌ إلى منع إعطاء الكلّ (٤).

فقلت: كلا، وإنما فائدتها تعريف المخاطبين أن الأجر والمدح يحصل بإعطاء البعض، ولا يتوقف على إعطاء الكلّ، كما في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (٥)، وغيره.

فقلت: فنصُّه على أن البعض موجبٌ للأجر والثواب يدلُّ على أن الكلّ من باب أولى. ولو نصَّ على الكلِّ لكان الظاهر توقُّف المدح عليه دون البعض، والأمر بخلافه.

أقول: وعلى ما تقرّر، فيكون هذا من مفهوم الموافقة لا مفهوم المخالفة، فإن

مفهوم المخالفة شرطه كما في "اللبّ" أن لا يظهر لتخصيص المنطوق


(١) يعني الجلال السيوطي في تفسير الجلَالين، كما سبق.
(٢) الكلمة في الأصل تشبه ما أثبت.
(٣) يعني الرازي، وهو معروف بابن الخطيب أو ابن خطيب الري.
(٤) "مفاتيح الغيب" (٢/ ٣٥).
(٥) أخرجه البخاري (٦٠٢٣) ومسلم (١٠١٦) من حديث عدي بن حاتم.