للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[في معنى حديث: "لا يسترقون ولا يتطيَّرون ولا يكتوون" (١)

وحكم التداوي]

أقول: الذي دل هذا الحديث على أن تركه مطلوب من الأسباب ثلاثة:

الأول: ما في تعاطيه مشقَّة شديدة وفائدة محتملة فقط، وهو الكي.

الثاني: ما فيه احتمال مفاسد وفائدته محتملة فقط، وهو الاسترقاء، أي: أن تسأل آخر أن يرقيك. ومن مفاسده: أن الرقية قد يكون شركًا ونحوه، وأنه إذا رقاك بدعاء فأنت تقدر على أن تدعو لنفسك، ولعل دعاءك لنفسك أقرب إلى الإجابة من دعائه لأنك مضطرّ يتأتى منك حسن الخشوع وصدق الالتجاء.

فإن قلت: أنا مذنب خطَّاء لا يُستاجب دعائي.

فهذا أوَّلًا: ضرب من اليأس من رحمة الله. وثانيًا: كالتكذيب لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، وقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]. وثالثًا: ضربٌ من عدم الرضا باختياره. ورابعًا: يكاد يكون ذريعة من ذرائع الشرك؛ فإن المشركين إنما أشركوا لزعمهم أنهم لحقارتهم وجهلهم ومعاصيهم ليسوا بأهلٍ أن يتقبل الله عزَّ وجلَّ عبادتهم له أو يجيب دعاءهم إيَّاه فاتخذوا من دونه آلهة شفعاء.

فإن كان الاسترقاء بدون أجرة أو نحوها فهو سؤال من مخلوق لنفع


(١) أخرجه البخاري (٥٧٠٥) ومسلم (٢١٨) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.