فحاصل هذا أنّ ابن قتيبة يقف عند أقوال أئمة السلف وما يشبهها، وابن الأنباري يوسِّع في التأويل.
وقد قال ابن قتيبة في خطبة كتابه "غريب الحديث" (١): "وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين، لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة وأشبهها بقصة الآية، ونَبَذْنا منكر التأويل ومنحول التفسير"، وكان هذا الاختلافِ بين الرجلين يرجع إلى اختلاف ما في المذهب، كما يشير إليه كلام ابن تيمية.
وأمّا الأزهري فإنّما ينعي على ابن قتيبة كلمات رأى أنّه أخطأ فيها، كما ترى بعض أمثلة ذلك في مادة (ب ع ل) من "لسان العرب"، وقد نعى الأزهري نحو ذلك على أبي عبيد وغيره من الأئمة، ومن تتبع كلام أئمة اللغة والغريب علم أنّهم كثيرًا ما يقولون في بعض الكلمات باجتهادهم، والعالم يضطر إلى مثل ذلك فيصيب ويخطئ، والأزهري نفسه لا يدعي لنفسه العصمة.
* حياته:
يظهر أنّ حياة ابن قتيبة كانت حياة هادئة، إنّما أولها في طلب العلم وآخرها في تصنيف الكتب وإملائها، ولم يُنقل عنه كبير اختلاط برجال الدولة، إلا أنّه ولي قضاء الدينور، فأقام بها مدة حتى نُسِب إليها، ثم عاد إلى
(١) عن الترجمة المطبوعة في عيون الأخبار. [المؤلف].