قد ينقل في راو جرح وتعديل، ولكننا إذا بحثنا بمقتضى القاعدة السابقة سقط أحدهما، أو تبين أنه إنما أريد به ما لا يخالف الآخر، فهاتان الصورتان خارجتان عن هذه القاعدة. فأما إذا ثبت في الرجل جرح وتعديل متخالفان، فالمشهور في ذلك قضيتان:
الأولى: أن الجرح إذا لم يبيَّن سببه فالعمل على التعديل. وهذا إنما يطرد في الشاهد، لأن معدِّله يعرف أن القاضي إنما يسأله ليحكم بقوله، ولأن شرطه معرفته بسيرة الشاهد معرفة خبرة، ولأن القاضي يستفسر الجارح كما يجب؛ فإذا أبى أن يفسِّر كان إباؤه موهنًا لجرحه.
فأما الراوي فقد يكون المثني عليه لم يقصد الحكم بثقته، وقد يكون الجرح متعلقًا بالعدالة مثل:"هو فاسق". والتعديل مطلق، والمعدِّل غير خبير بحال الراوي، وإنما اعتمد على سبر ما بلغه من أحاديثه. وذلك كما لو قال مالك في مدني:"هو فاسق"، ثم جاء ابن معين فقال:"هو ثقة". وقد يكون المعدِّل إنما اجتمع بالراوي مدة يسيرة، فعدَّله بناء على أنه رأى أحاديثه مستقيمة؛ والجارح من أهل بلد الراوي.
وذلك كما لو حجَّ رازيّ، فاجتمع به ابن معين ببغداد، فسمع منه مجلسًا، فوثَّقه، ويكون أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان قد قالا فيه:"ليس بثقة ولا مأمون". ففي هذه الأمثلة لا يخفى أن الجرح أولى أن يؤخذ به.
فالتحقيق أن كلًّا من التعديل والجرح الذي لم يبيَّن سببُه يحتمل وقوع الخلل فيه. والذي ينبغي أن يؤخذ به منهما هو ما كان احتمال الخلل فيه أبعد