قدَّمناها في القسم الأول تتحقق في اشتراط الزيادة في القرض المبتدأ أشدَّ من تحقُّقها في اشتراطها عند تأجيل الدين أجلًا جديدًا.
فاشتراط الرجل الزيادة في القرض المبتدأ يدلُّ دلالة قوية على أنه كسلان، يريد أن يربح من كدِّ العمال وعنائهم بدون أن يتعب، بخلاف اشتراطها بعد حلول الدين لأجلٍ جديد، فقد يكون الدائن رجلًا نشيطًا عاملًا يألَفُ الكدَّ والتعب والسعي في طلب الربح مما ينفع الناس، ولكنه آثر المدين أولًا، فأقرضَه أو أنسأه، فلما حلَّ الأجلُ وجد المدين مصممًا على تأخير الدين، فلو دفعه إليه حينئذٍ لتَعِبَ فيه ونَصِبَ وربحَ، فلما لم يمكنْه ذلك اضطُرَّ إلى اشتراط الزيادة.
وقد بقي كلامٌ يمكن أن يقال في الإيراد والردّ، وذلك يستدعي تطويلًا وتدقيقًا لا حاجة بنا إليه والحمد لله.
[ق ٣٢] ثم قال: «ولو سُلِّم صحة القياس ففيه أن الأحكام القياسية تقبل التغير بتغيُّر الأزمان، كما هو ثابت في موضعه، ومن كان له وقوف على حال هذا الزمان وخبرة بأهله فلا محيصَ له بدون أن يفتي بجوازه، كما في الاستئجار على تعليم القرآن والأذان والإمامة وغيرها، مع أن حرمة الاستئجار في البعض منصوص، ولكن بحسب حاجة الناس أفتى الفقهاء الكرام بجوازه. فعلى هذا النفعُ المشروط في القرض أولى بأن يُفتَى بجوازه، لأنه ليس منصوصًا عليه بالحرمة، [إذ] الناس ناس والزمان زمان (١).
(١) شطر بيت ضمن كلام مسلمة بن محمد بن هشام في «الأغاني» (٤/ ٣٢١)، وضمن رسالة البديع الهمذاني في «يتيمة الدهر» (٤/ ٢٧٠) و «التذكرة الحمدونية» (٦/ ٤٣٣).