للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجوبه أو استحبابه بدليل شرعي، وقول عمر رضي الله عنه في التراويح: "نِعْمَت البدعة هي" (١) أراد البدعة اللُّغوية، وهو ما فُعِل على غير مثال، كما قال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٩]، وليست بدعة شرعًا، فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -.

ومن قسَّمها من العلماء إلى حسنٍ وغير حسنٍ فإنَّما قسَّم البدعة اللُّغوية، ومن قال: "كل بدعة ضلالة" فمعناه البدعة الشرعية، أَلَا ترى أنَّ الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا فرضية غير الصلوات الخمس، كالعيدين، وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين، والصلاة عقيب السَّعي بين الصفا والمروة قياسًا على الطواف، وكذا ما تركه - صلى الله عليه وآله وسلم - مع قيام المقتضي، فيكون تركه سنة، وفعله بدعة مذمومة.

وخرج بقولنا: "مع قيام المقتضي في حياته تركه" إخراجُ اليهود من جزيرة العرب، وجمعُ المصحف، وما تركه لوجود المانع كالاجتماع للتراويح؛ فإنَّ المقتضي التام يدخل فيه عدم المانع".

أقول: وهذا التفسير أحسن من التفسير السابق، وإن كان المآل واحدًا.

ولك أن تقول في تعريف البدعة: "هي كل أمر أُلصق بالدين ولم يكن من هَدْي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا بالفعل ولا بالقُوَّة" (٢)، فقولك: "ولا بالقُوَّة" يخرج


(١) أخرجه البخاري (٢٠١٠) وغيره، من حديث عبد الرحمن بن عبدٍ القاري.
ولفظ البخاري: "نِعْمَ البدعة هذه"، وقوله: "نِعْمَت" بالتاء هو إحدى روايات البخاري، كما في "الفتح" (٤/ ٢٥٣).
(٢) يعني: بالقدرة على فعله؛ لأنَّ المقصود بالقُوَّة: الاستعداد والإمكان الذي في الشيء لأنْ يوجد بالفعل. يُنظَر: "المعجم الفلسفي" لجميل صليبا (٢/ ٢٠٢).