للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد التزم بعض العلماء صحة الحديث وحمله على أنه توسُّل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بذاته، واستدلَّ على ذلك بحديث البخاريِّ رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كانوا إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه: فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا». قال: (فيُسْقَوْن) (١).

قال: فالمراد التوسل بدعائه لِمَا جاء أنَّ عمر كان يقول هذه الكلمات عندما يرفع العباس يديه يدعو، ولأنَّ قوله: إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا إلخ ظاهر في أنَّ المعنى: وإنَّ نبينا قد توفِّي فلا يمكننا التوسُّل به، فلذلك نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا.

ومعلوم أنَّ الذي فات بموت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنما هو أن يدعو لهم في حاجتهم تلك، فثبت بذلك أن التوسُّل به إنما هو التوسُّل بدعائه للمتوسِّل بحاجته تلك. [٥٤٨] ولو كان التوسُّل بذاته، أو بكرامته على ربه، أو بدعائه لأمَّته في الجملة لما فات ذلك بموته - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا لو جاز سؤال الدعاء والشفاعة منه - صلى الله عليه وسلم - بعد موته لما فات المقصود بالموت، ولكانوا يسألون منه الدعاء والشفاعة ثم يتوسَّلون.

وكلام أمير المؤمنين عمر ظاهر في أنَّ توسُّلهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد فات


(١) البخاريّ، كتاب الجمعة، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، ٢/ ٢٧، ح ١٠١٠. [المؤلف]