الأئمة معرفةً لذلك. وهَبْ أن غيره قد يفوقه في هذا، فإنما يمحِّص الإنسان ما يعرفه، ويغوص فيما يَجده؛ فمن لم يبلغه النص، فأيَّ شيء يمحِّص؟ وفي أي شيء يغوص؟
وقد تقدم في ترجمة الخطيب (١) قول الشافعي لمحمد بن الحسن بعد اعتراف محمد بأن مالكًا كان أعلم بالكتاب والسنة والآثار من أبي حنيفة: «لم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على واحد من هذه الأشياء، ومن لم يعرف الأصول على أيّ شيء يقيس؟».
وقد ذكر الأستاذ (ص ١٣٩) ما نُقِل عن الشافعي: «أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ، ثم يقيس الكتاب كلَّه عليها». فقال الأستاذ:« ... ولأبي حنيفة بعض أبواب في الفقه من هذا القبيل، ففي كتاب الوقف أخذ بقول شريح القاضي وجعله أصلًا، ففرَّع عليه المسائل، [١/ ١٦٥] فأصبحت فروع هذا الكتاب غير مقبولة حتى ردَّها صاحباه. وهكذا فعل في كتاب المزارعة، حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي، وجعله أصلًا، ففرَّع عليه الفروع ... ».
أقول: فلم ينفعه في تلك الكتب تمحيصه وغوصه، إذ لم يطلع على ما ثبت من السنة وآثار الصحابة.
فصل
قال الأستاذ (ص ٢٦): «وأما أحمد، فدونك «مسائل أبي داود»، و «إسحاق بن منصور الكوسج»، و «عبد الله بن أحمد»؛ فيا ترى هل يمكنك أن تقرأ صفحة منها على صحة الأصول من غير أن تجابهك خطيئات في اللغة والنحو؟».