وفي الحكاية أنه كان قليل النظر في كتبهما، كثير النظر في كتب الواقدي. هذا مع أنه من أسوأ الناس رأيًا في الواقدي، فلم يكن ينظر في كتبه ليعتمد عليه، بل رجاء أن يرى فيها الشيء مما يهمُّه، فيبحث عنه من غير طريق الواقدي، على حدِّ قول الله تبارك وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: ٦] فلم يأمر بإلغاء خبر الفاسق إذ لعله صادق، بل أمر بالتبيُّن، فخبر الفاسق يكون تنبيهًا يستدعي الالتفات إلى ما أخبر به، والاستعداد له، وعدم الاسترسال مع ما يقتضيه الأصل من عدمه، حتى يبحث عنه، فيتبيَّن الحال.
فصل
قال الأستاذ:«وكان يستخرج الأجوبة الدقيقة من كتب محمد بن الحسن، كما روى عنه إبراهيم الحربي على ما في «تاريخ الخطيب»(٢/ ١٧٧)».
أقول: الراوي عن إبراهيم غير موثَّق، على أن محمدًا لمهارته في الحساب وشغفه بالدقة كان يفرض القضايا التي لا تكاد تقع، مما يحتاج إلى دقيق الحساب، فيضخِّم بها كتبَه. ومن عرف النصوص الشرعية وفهِمَها وعلِمَ الأحكام فهو الفقيه، فإن عرضت واقعةٌ يحتاج تفصيل الحكم فيها إلى حساب دقيق، فاستعان بحاسب، لم يكن في ذلك ما يُتوهم منه أنه تعلَّم الفقه من الحاسب.
فصل
ثم ذكر الأستاذ رواية أن أحمد:«كان يعيب أبا حنيفة ومذهبه». ثم قال: «يقول الملك المعظَّم: أنا أصدِّق هذا لأن أصحاب أحمد إلى يومنا هذا لم يفهم أحد منهم