فإذا أمرهم سبحانه بنفع عبد فعلوا ذلك طاعةً لربهم فقط، وإذا أذن لهم في الشفاعة شفعوا رغبةً في رضا ربهم. ولو فُرِض أنهم لم يشفعوا بعد الإذن فلم يأذن لهم ربهم إلا وقد [٢/ ٢٧٤] ارتضى الأمرَ الذي أذن لهم أن يشفعوا فيه، فهو كائن لا محالة وإن لم يشفعوا. وبهذا يتضح يقينًا أن سؤال العبد من الملائكة أو خضوعَه لهم عبثٌ من جهة، وسببٌ لغضب الله عز وجل على السائل، فتغضب الملائكة لغضب ربهم من جهة أخرى.
ولو كان الملائكة يتصرفون بأهوائهم لاختلفوا، إذ قد يهوى هذا نصرَ أحد الجيشَين المقتتلين، ويهوى الآخر نصرَ الجيش الآخر، فيعمل كلٌّ منهما بحسب هواه، ويبذل جهده في التصرف بكل ما يمكنه. هذا مع عِظَم قوة الملائكة وقدرتهم، فتختلُّ الأمور، ويفسُد النظام. قال الله عز وجل:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: (٢٢)]. وقال تعالى:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: (٧١)].
ولما أذن الله عز وجل للبشر إذنًا قدريًّا عامًّا في عمل ما يريدون ــ لأن مقصود التكليف لا يتم في حقِّهم إلا بذلك ــ جعل قدرتهم محدودة، فيقع من الفساد ما يناسب قدرتهم، كما هو مشاهد. وكلما زادت قدرتهم بواسطة الآلات والمخترعات زاد الفساد، كما تراه في هذا العصر. ولولا أنَّ الله عز وجل يكفكف شدةَ ذلك بقدره لكان الفساد أعظم. قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: (٢٥١)].
وإن كان الله عز وجل يأذن لأرواح الصالحين الموتى بأمر يتعلق