للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماع من عمرو لأنه قد شاركه في صغار مشايخه، ثم يرسل عنه إرسالًا؟ وقد قاتل الأستاذ أشدَّ القتال لمحاولة دفع قولهم: إن أبا حنيفة الذي ولد سنة ثمانين بالكوفة ونشأ بها مُعرضًا عن سماع الحديث لم يسمع من أنس الذي عاش بالبصرة وتوفي بها سنة إحدى وتسعين، وقيل: بعدها بسنة أو سنتين. وليس بيده إلا أنه قد قيل: إن أبا حنيفة رأى أنسًا! وقد تعرضت لذلك في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت من قسم التراجم. ثم ترى الأستاذ هنا يجاري أصحابه في توهمهم الباطل مع وضوح الحال.

وسبب الوهم في هذا أن الطحاوي ذكر هذا الحديث فقال (١): «وأما حديث ابن عباس فمنكر، لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدِّث عن عمرو بن دينار بشيء». فتوهم جماعة ــ من آخرهم الأستاذ الكوثري ــ أن الطحاوي قصد بهذا أن قيسًا عن عمرو منقطع، لعدم ثبوت اللقاء، بناءً على القول باشتراط العلم به، القول الذي ردَّه مسلم في مقدمة «صحيحه»، ونقل إجماع أهل العلم على خلافه.

وعبارة الطحاوي لا تعطي ما توهَّموه، فإنه ادعى أن الحديث منكر، ثم وجَّه ذلك بقوله: «لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدِّث عن عمرو بن دينار بشيء»، ولم يتعرَّض لسماعه منه ولقائه له [٢/ ١٥٤] بنفي ولا إثبات. ولا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع، فإن كثيرًا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم، ثم لم يحدِّثوا عنهم بشيء.

فإن قيل: إنما ذاك لاعتقادهم ضعف أولئك المشايخ، وعمرو لم يستضعفه أحد.


(١) «معاني الآثار» (٤/ ١٤٥).