للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنَّه مع ذلك بقي الأمر على ما هو عليه، ولم يزل يزداد يومًا يومًا.

وكان المضيِّقون على أنفسهم في المَطْعَم والمَلْبَس يعتذرون بأنَّ الحلال الصِّرْف عزيزٌ. وامتنع بعضهم من النِّكاح؛ بعِلَّة أنَّه لو تزوَّج وصارت له عائلةٌ يحتاج إلى نفقتهم؛ فيخشى الوقوع في الحرام لعِزَّة الحلال.

وفي أواسط القرن الثاني ظهر لبعض الذين يجوِّعون أنفسهم أنَّ الجوع يُورث الصَّفاء وقوَّة الفهم، فقالوا: إنَّ الجوع ينوِّر القلب. ففي ترجمة [بشر بن الحارث الحافي] من «صِفة الصفوة» [قال: «إنَّ الجوع يصفِّي الفؤاد، ويُورِثُ العِلم الدَّقيق] (١).

فصار الجوع مقصودًا اختيارًا، بعد أن كان يقع اضطرارًا، ثم حَدَثت لبعضهم الخواطر، التي من شأن من يقبلها أن يتديَّن بها، فكان خيارهم لا يقبلون تلك الخواطر ما لم يكن مدلولها معروفًا في الكتاب والسُّنَّة.

فعن أبي سليمان الدَّاراني أنَّه قال: [«ربَّما وقع في قلبي نُكتةٌ من نُكَت القوم أيامًا، فلا أقبل إلَّا بشاهدين عَدْلين، الكتاب والسنة»] (٢).


(١) في الأصل: «ففي ترجمة وهيب بن الورد من صفة الصفوة»، ثمَّ بيَّض المؤلِّف رحمه الله للقول قدر سطرين، وليس في ترجمة وهيب في «صفة الصَّفوة» ما له علاقة بسياق ما ذكره، ولعلَّ مراد المؤلِّف ما أثبتُّهُ بين القوسين المعكوفين من ترجمة بشر الحافي رحمه الله (٢/ ٣٣٢).
(٢) بيَّض له المؤلِّف قدر سطر، وكأنَّه يقصد ما نقلتُه.
وقد أسنده عنه أبو عبد الرَّحمن السُّلمي في «طبقات الصُّوفية» (ص ٧٦)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٣٤/ ١٢٧)، والذَّهبي في «السِّير» (١٨/ ٢٣١).