للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الأنعام]

قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [٢٨].

قد يُستبعَد فيمن شاهد أمور الآخرة وقاسى العذاب، أن يكون بحيث لو رُدَّ إلى الدنيا لعاد لِمَا تحقّق عندَه أنه مُوجِب لذلك العذاب الذي شاهده وذاقه.

وخطر لي جوابان:

الأول: أنه لو أُعيد إلى الدنيا لكان كالمولود ابتداء، لا يذكر شيئًا مما عرفه وشاهده بعد الموت، ولكن الخبث الذي كان بنفسه في الحياة الأولى يبقى راسخًا فيها، فيسوقه ذلك لزامًا إلى مثل ما جرى له في الحياة الأولى.

الجواب الثاني: أنه لا ينسى، ولكن ما استقرّ في نفسه من الخبث يجرّه إلى العود إلى الخبائث، ويغالط نفسه ويعلّلها تارة بأنه سيتوب، وتارة بأنه إن مات ثانية على الخبث سأل الإعادة مرّة أخرى، ونحو ذلك من المعاذير.

وشاهد هذا ما تراه في المجرمين الذين استحكم الإجرام في أنفسهم، يُؤْخَذ أحدهم فيُسْجَن ويعذَّب حتى يجزم هو قبل غيره بأنه إذا خُلِّص من ذلك العذاب فلن يعود إلى الإجرام البتة. ثم تجده إذا خُلِّص لا يلبث أن يعود (١).

* * * *


(١) مجموع [٤٧٣٠]. وسيأتي مزيد تفصيل في هذه المسألة في الفوائد العقدية (ص ٩٧).