للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما حكاه الزيلعي عن كتاب «غرائب الرواة عن مالك» من قوله: «حدَّث به عشرون نفرًا من الثقات الحفاظ منهم محمد بن الحسن ... » فالجواب عنه من وجهين:

الأول: ما تقدم أن محمدًا قويّ عندهم فيما يرويه في «الموطأ» عن مالك وليِّن فيما عدا ذلك، فلا مانع أن يعده الدارقطني في ذاك الحديث الذي هو عنده في «الموطأ» عن مالك من جملة الثقات الحفاظ، ثم يليِّنه في سائر شيوخه، ويقول: إن أبا يوسف أقوى منه مع لين أبي يوسف [١/ ٣٦٢] عنده. غاية الأمر أن كلمات الدارقطني تحتاج إلى تقييد بعضها ببعض، وليس في ذلك ما يضره؛ فإن النصوص الشرعية أنفسها قد تحتاج إلى تقييد بعضها ببعض، على أن سياق كلامه في «الغرائب» يدل على التقييد، ولعله كان مع كلمته الأخرى ما يدل على ذلك.

الوجه الثاني: أن قول المحدث: «رواه جماعة ثقات حفاظ» ثم يعدُّهم لا يقتضي أن يكون كلُّ من ذكره بحيث لو سئل عنه ذاك المحدثُ وحدَه لقال: «ثقة حافظ». هذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه، ثم قد يذكر فيهم من يليِّنه هو نفسه في الكتاب نفسه.

وهذا الدارقطني نفسه ذكر في «السنن» (ص ٣٥) (١) حديثًا فيه مسح الرأس ثلاثًا، وهو موافق لقول أصحابه الشافعية، ثم قال: «خالفه جماعة من الحفاظ الثقات ... » فعدَّهم وذكر فيهم شَريكًا القاضي، وأبا الأشهب جعفر بن الحارث، والحجاج بن أرطاة، وجعفر الأحمر. مع أنه قال


(١) (١/ ٨٩).