في "تاريخ بغداد"(١٣/ ٣٨٩ [٤٠٥]) من طريق "الفضل بن موسى السِّيناني يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: مِن أصحابي مَنْ يبول قلَّتين. يردُّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان الماء قُلَّتين لم ينجَسْ".
قال الأستاذ (ص ٨٣): "وحديث القلَّتين (١) لم يأخذ به أحد من الفقهاء قبل المائتين، (٢) لأن في ذلك اضطرابًا عظيمًا، (٣) ولم يقل بتصحيحه إلا المتساهلون، (٤) ولم ينفع تصحيحُ من صحَّحه في الأخذ به، لعدم تعيُّن المراد بالقلتين؛ (٥) حتى إن ابن دقيق العيد يعترف في شرح "عمدة الأحكام" بقوة احتجاج الحنفية بحديث الماء الدائم في "الصحيح". (٦) فدَعُونا معاشرَ الحنفية نتوضأ من الحنفيات ولا نغطِس في المستنقعات".
أقول: في هذه العبارة ستة أمور، كما أشرت إليه بالأرقام.
فأما الأمر الأول: فالمنقول عن السلف قبل أبي حنيفة وفي عصره مذهبان:
الأول: أن الماء سواء أكان قليلًا أم كثيرًا لا ينجَس إلا أن تخالطه النجاسة فتُغيِّر لونَه أو ريحَه أو طعمَه. وإليه ذهب مالك، وكذلك أحمد في روايةٍ، وهو أيسر المذاهب علمًا وعملًا. وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث أن الماء طَهورٌ لا يُنجِّسه شيء (١). وجاء في رواياتٍ
(١) أخرجه أبو داود (٦٦) والترمذي (٦٦) والنسائي (١/ ١٧٤) من حديث أبي سعيد الخدري، وحسَّنه الترمذي. قال الحافظ في "التلخيص" (١/ ١٣): صححه أحمد ويحيى بن معين وابن حزم. وأخرجه أبو داود (٦٨) والترمذي (٦٥) وابن ماجه (٣٧٠) من حديث ابن عباس، وصححه ابن خزيمة (٩١) وابن حبان (١٢٤١، ١٢٤٢) والحاكم في "المستدرك" (١/ ١٥٩).