للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدوث مثل هذا لا يصلح للتشكيك في صدق بعض من صحب النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غير متهم بالنفاق، ثمّ استمرَّ على الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. يراجع (ص ١٩٣) (١) فما بعدها، وتعجيل العقوبة القدرية لذلك الرجل يمنع غيره من أن تحدِّثه نفسه بكذبٍ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وكذا من باب أَوْلى بعد وفاته، فإن العقوبة القدرية لم تمهل ذاك مع أنه كان بصدد أن تناله العقوبة الشرعية، ولا يترتَّب على كذبه مفسدة، فكيف بمن يكذب حيث يخفى على الناس أمره ويترتب على كذبه المفاسد؟ ولهذا جاء في رواية: أن الصحابي بعده (٢) - صلى الله عليه وسلم - ذكر حديثًا فاستثبته بعضُ الناس فحدَّث بالقصة ثم قال: «أتراني كذبت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا؟».

وذكر أبو ريَّة خبر المقنَّع التميمي، ويقال: المنقع، وسنده واهٍ جدًّا يشتمل على مجاهيل وضعفاء فلا أطيل به.

هذا ومن الحكمة في اختصاص الله تعالى أصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه: أنه سبحانه كره أن يكونوا هدفًا لطعن من بعدهم؛ لأنه ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملةً، وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى بيان أحوالهم ليُعرَف من لا يحتج بروايته منهم، فاقتضت الحكمة حسم هذا لقطع العذر عمن يحاول الطعن في أحدٍ منهم.

وقال ص ٤٣: (الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ... فإن الكذب قد كثر عليه بعد وفاته ... ).

أقول: قد كان كذبٌ، لكن متى؟ وممن؟ لا شأن لنا بدعاوى أبي رية،


(١) (ص ٣٦٥ ــ ٣٦٦).
(٢) (ط): «بعد» ولعل الصواب ما أثبت.