فإذا فرضنا تجردَ الخبر عن القرائن التي تعضُده أو تُبعِده، أو وُجِدتْ معه قرائن متعارضة، فغاية ما يحصل به احتمالٌ لا وثوق معه، ولذلك لا يَبني العقلاءُ على مثله مصالحَ دنياهم، ومثلُه أو أقوى منه قد يحصل بخبر الفاسق؛ ولهذا أمرت الآية بالتبيُّن فيه، ولم تأمر بعدم الالتفات إليه البتة، فافهم.
[ص ١٥] فصل
حُكي عن قوم الموافقةُ على اشتراط التعديل، لكن قالوا: إذا روى العدل عن رجل ولم يجرحه فقد عدَّله.
قال الخطيب في "الكفاية"(ص ٨٩): "احتج من زعم أن رواية العدل عن غيره تعديل له، بأن العدل لو كان يعلم فيه جرحًا لذكره، وهذا باطل؛ لأنه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته، ... كيف وقد وُجِد جماعة من الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنها غير مرضية، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب ... ".
ثم أسند إلى الشعبي قال:"حدثني الحارث وكان كذابًا"، وآثارًا أخرى نحوه، ثم قال (١): "فإن قالوا: هؤلاء قد بينوا حال من رووا عنه بجرحهم له، فلذلك لم تثبت عدالته، وفي هذا دليل على أن من روى عن شيخ ولم يذكر من حاله أمرًا يجرحه به فقد عدَّله= قلنا: هذا خطأ؛ لما قدّمنا ذكره من تجويز كون الراوي غير عارف بعدالة من روى عنه، ولأنه لو عرف جرحًا منه