للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان قول وعمل يزيد وينقص]

اشتهر عن أبي حنيفة أنه كان يقول: ليس العمل من الإيمان، والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وروى الخطيب (١) عن جماعة من أهل السنة إنكارَهم ذلك على أبي حنيفة، ونسبتَه إلى الإرجاء. فتكلم الكوثري في تلك الروايات، وحاول التشنيع على أولئك الأئمة، وأسرف وغالط على عادته؛ فاضطررتُ إلى مناقشته دفعًا لتهجُّمه بالباطل على أئمة السنة.

قال الكوثري (ص ٤٠) من «تأنيبه»: «يرى أبو حنيفة أن العمل ليس بركن أصلي من الإيمان، بحيث إذا أخلَّ المؤمنُ بعمل يزول منه الإيمان؛ كما يرى أن الإيمان هو العقد الجازم بحيث لا يحتمل النقيض، ومثلُ هذا الإيمان لا يقبل الزيادة والنقص».

[٢/ ٣٦٣] وقال (ص ٤٣): «وحيث كان أبو حنيفة وأصحابه لا يرون تخليد المؤمن العاصي في النار، رماهم خصومُهم بالإرجاء، وأعلنوا عن أنفسهم أنهم منحازون إلى الخوارج في المعنى».

وقال (ص ٤٤): «والإرجاء بالمعنى الذي هم يقولون به هو محض السنة، ومن عادى ذلك لا بد أن يقع في مذهب الخوارج أو المعتزلة شاعرًا أو غير شاعر».

ثم قال: «كان في زمن أبي حنيفة وبعده أناس صالحون يعتقدون أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؛ ويرمون بالإرجاء من يرى أن الإيمان هو العقد والكلمة، مع أنه الحق الصُّراح بالنظر إلى حجج الشرع. قال الله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (٢) [الحجرات: ١٤]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه


(١) في «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٧١ وما بعدها).
(٢) وقع في «التأنيب»: «قلوبهم» سهوًا. [المؤلف].