للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوقف عندها، فيستقرّ في نفس السامع ذلك السؤال ويلذعه الشوق إلى جوابه، فيقع الجواب موقعه، ويصير الكلام شبه محاورة. وللمحاورة من اللذة وموافقة النفس ما ليس في السماع المجرّد، فإنّ أحدنا إذا سمع خطبة أو محاضرة لا يجد من اللذة ما يجده للمحاورة مع الفاضل بأن تسمعه، فيعرض لك السؤال، فتسأله، فيجيبك، وهكذا. ولهذا ــ والله أعلم ــ كثر هذا الاستئناف في القرآن، لأن المحاورة الحقيقية لا تمكن فيه.

[ص ٤١] فمن ادعى في جملة أنها استئناف بياني احتاج أن يثبت أن الجملة التي قبلها يغلب فيمن سمعها متفهمًا أن يقع له السؤال الذي تكون الثانية جوابًا له.

ومع هذا فإنه إذا كانت الثانية بحيث يصحّ صحّةً ظاهرةً ربطُها بالأولى على معنى آخر، فالربط أولى من الاستئناف، لأن الربط هو الأصل الغالب.

١٦ ــ خبر المبتدأ قد يتعدّد صورةً مثل "هذا حلو حامض" أي مُزٌّ، و"زيد أعسَرُ يَسَرٌ" أي أضبَطُ. وقد يتعدد حقيقةً مثل "زيد شاعر كاتب"، ويجوز في هذا العطف "زيد شاعر وكاتب". وقد يكون الخبر جملة "ولابد لها من رابط بالمبتدأ، والغالب أن يكون ضميرًا فيها يعود عليه" مثل "زيد سافر أخوه". وقد يُكتفى بضمير في جملة أخرى مربوطةٍ بالأولى بالفاء كقولهم: "زيدٌ يَطير الذبابُ فيَغضب"، وقول الشاعر (١):


(١) هو ذو الرمّة، انظر ديوانه (٤٦٠). قال ابن هشام: والبيت محتمل لأن يكون أصله: "يحسر الماء عنه"، أي "ينكشف عنه" المغني (٦٥١). وقيل: الرابط (ال) في الماء، لنيابتها عن الضمير، والأصل: ماؤه. انظر الخزانة (٢/ ١٩٢).