للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنسانُ عيني يحسِرُ الماءُ تارةً ... فيبدو وتاراتٍ يجُمُّ فيَغْرَقُ

وحقّق ابن هشام (١) أن هذه الفاء لمحض السببية، ليست بعاطفة، وأنها صيّرت الجملتين جملة واحدة هي الخبر.

قال عبد الرحمن: إذا قلت: "زيد يغضب إذ يطير الذباب" فجملة "يغضب" هي الخبر النحوي، لكنها لا تتمّ إلا بما بعدها؛ إذ ليس المقصود الإخبار عنه بأنه يغضب مطلقًا، فإذا عكستَ وقدّمتَ لغرض "يطير الذباب" فإنها تحتاج إلى رابط يربطها بقولك: "يغضب"، و (إذ) لا تأتي ههنا، لأنّ من شأنها أن يكون قبلها المسبب وبعدها السبب، فلهذا جعل مكانها الفاء لأنها تفيد السببية كـ (إذ)، وهي عكسها في الترتيب: يكون قبلها السبب وبعدها المسبب، فقيل: "زيد يطير الذباب فيغضب".فلا يحسن أن يقال: إن جملة "يطير الذباب" [ص ٤٢] هي الخبر النحوي، لأنها أجنبية، ولا يمكن أن يقال: إن جملة "يغضب" هي الخبر كما لا يخفى. فتعيَّن أن يقال: إن جملة "يطير الذباب فيغضب" هي الخبر كأنه قيل: "زيدٌ طيرانُ الذباب يُغْضِبُه". ونستطيع أن نقول: إن "يطير الذباب" دخلت في الخبرية بشفاعة الفاء.

هذا، وكما يتعدد الخبر المفرد، كذلك يتعدد الخبر الجملة. وتكون تارة من باب "حلو حامض" و"أعسر يسر"، كقولك: "هذا الرمان في طعمه حلاوة، وفيه حموضة"، و"زيد يعمل بيمينه، ويعمل بيساره". وتارةً من باب "شاعر وكاتب"، كما تقول: "زيد يشعر ويكتب"، و"زيد أبوه مسافر، وعمه مقيم".

والعطف هنا هو الجادَّة في النوعين، وكل جملة من الجمل المتعاطفة


(١) مغني اللبيب مع حواشي الأمير (٢/ ٧٠٠). [المؤلف]. طبعة دار الفكر (٥٥٥).