للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُلِّية، ومع ذلك فلا يعتدّ بهذا الظاهر، ولا يُنسبُ إلى المتكلِّم أنَّه ادّعى كُلِّيتها، ولا يُعترض عليه بذكرها على ذلك الوجه.

كأن يقول المفسِّر في قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]: أصل (هدى) هُدَيٌ، والقاعدة الصرفية: أنَّه إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قُلِبَت ألفًا، والقاعدة الأخرى: أنَّه إذا التقى السَّاكنان حُذف الأول.

وهاتان القاعدتان ليستا على إطلاقهما، بل لكلٍّ منهما قيودٌ وشروطٌ معروفةٌ في عِلْم الصَّرْف، ومع ذلك لا يُنْسَب إلى ذلك المفسِّر قصور ولا تقصير، ولا دعوى خلاف ما تقرّر في علم الصَّرْف؛ لأنّه يقال: ليس هو في صَدَد الكلام في علم الصَّرْف حتى يُنْسَب إليه ذلك، وإنّما هو في صَدَد التفسير، ولكن انجرَّ الكلام إلى هاتين القاعدتين فذكرهما على قدر ما دعا إليه الحال. وهكذا في القواعد النحوية والبيانية وغيرها.

وأبلغ من هذا: أنَّ أصحاب الكتب المختصرة في العلوم يذكر أحدهم كثيرًا من قواعد ذلك العلم، بحيث يكون ظاهر الكلام أنّها كلية، ومع ذلك لا ينسب إليهم قصور ولا تقصير، ولا دعوى كُلِّيَّتها، بل يُقال: هذا المختصر وُضِع للحفظ ولتعليم المبتدئين، وكلٌّ من هذين يستدعي الإجمال وترك التفصيل بذكر القيود والشروط، بل يُوْكَل ذلك إلى الشروح والمطوَّلات.

وأبلغ من هذا وأبلغ: أنّ الكتب الموضوعة للمبتدئين قد يُذكَر فيها ما ليس بصحيح في نفسه، ولكن سَلَكَه المؤلِّف لأنّه أقرب إلى فهم المبتدئ، فيقول النحوي مثلًا: الكلام قد يركّب من كلمتين، اسمٍ وفعلٍ، مثل: قام الرجل، والرجل قام، أو اسمين، مثل: زيدٌ قائمٌ، أو: القائمُ زيدٌ، مع أنَّ "قامَ الرجلُ" ثلاث كلمات، و"الرَّجلُ قام" أربع كلمات، فعل وحرف واسمان،