للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحس معًا استحال العلم بوجوده إلا من قول الصادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال الجنة والنار والثواب والعقاب ... ».

أقول: هذا يدل على ما قدَّمتُه من أن فرار المتكلمين إلى هذا التقسيم إنما هو محاولة للتخلص من إلزام ابن سينا، وقد مرَّ ما فيه.

ثم قال العضد (١): [٢/ ٣٢٦] «الدلائل النقلية هل تفيد اليقين؟ قيل: لا، لتوقُّفه على العلم بالوضع والإرادة، والأول إنما يثبت بنقل اللغة والنحو والصرف، وأصولُها تثبت برواية الآحاد، وفروعها بالأقيسة، وكلاهما ظنِّيان. والثاني يتوقف على عدم النقل والاشتراك والمجاز والإضمار والتخصيص والتقديم والتأخير، والكلُّ لجوازه لا يُجزَم بانتفائه، بل غايته الظن. ثم بعد الأمرين لا بد من العلم بعدم المعارض العقلي، إذ لو وُجِد لَقُدِّمَ على الدليل النقلي قطعًا، إذ لا يمكن العمل بهما ولا بنقيضهما. وتقديم النقل على العقل إبطال للأصل بالفرع، وفيه إبطال للفرع، وإذا أدى إثبات الشيء إلى إبطاله كان مناقضًا لنفسه فكان باطلًا. لكن عدم المعارض العقلي غير يقيني (٢)، إذ الغاية عدم الوجدان، وهو لا يفيد القطع بعدم الوجود. فقد تحقق أن دلالتها تتوقف على أصول ظنية؛ لأن الفرع لا يزيد على الأصل في القوة. والحق أنها قد تفيد اليقين بقرائن مشاهدة أو متواترة تدل على انتفاء الاحتمالات، فإنا نعلم استعمال لفظ الأرض والسماء ونحوهما في زمن الرسول في معانيها (٣) التي تراد منها الآن، والتشكيك فيه سفسطة. نعم، في إفادتها اليقين في العقليات


(١) «المواقف» (ص ٤٠).
(٢) (ط): «غير يقين». والتصويب من «المواقف».
(٣) (ط): «معانيهما». والتصويب من «المواقف».