للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٢٣] الأحكام المستنبطة من هذه الأدلة

أما الآية؛ فيُستدل بها على أن المقصود من شَرْع دفن الميت هو مواراة جثته، فالقَدْر الذي يحصل به تمام المواراة هو الأصل الثابت المقرر، وما زاد عن ذلك فإنه مفتقرٌ إلى دليل؛ لما مرَّ في المقدمة (١): أن أحكام القبور شرعية، والشرع توقيف.

وأما حديث فضالة؛ فمداره على كلمة "التسوية"، فنقول: المتبادر من التسوية في الحديث أن يكون وجه القبر مساويًا لوجه الأرض في البقعة المحيطة به.

ولكن نوزع بأن هذا إنما هو معنى تسوية القبر بالأرض، والذي في الحديث تسوية القبر فحسب. وتسوية القبر عبارة عن جعله متساوي الأطراف، كما في قوله عزَّ وجلّ: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: ٤]. وهذا لا يقتضي التسوية بالأرض، بل أن يسوَّى القبر في ذاته، بأن لا يُترك فيه تسنيم أو زيادة في بعض أطرافه، بل يُجْعَل مسطَّحًا.

وأجيب: بأن التسوية إذا أُطْلِقت على شيء ناشز على وجه الأرض كالبناء والربوة، فمعناها: تسويته بالأرض.

ومنه قول الله تبارك وتعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: ١٤] قال الراغب (٢): أي سوَّى بلادَهم بالأرض.


(١) (ص ١٥).
(٢) في "المفردات" (ص ٤٤٠).