للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنفسه» أنه قائم بنفسه!

أقام يُعْمِلُ أيامًا رَوِيَّتَه ... وشبَّه الماء بعد الجهد بالماء (١)

الرابعة: في عبارة الغزالي ذكر قضية الخلاء والملأ. فالفلاسفة ومن تبعهم يقولون: إنه ليس وراء العالم خلاء ولا ملأ، والعقول الفطرية تُنكِر ذلك، وأورد عليهم أنا إذا فرضنا إنسانًا على طرف العالم فمدَّ يده إلى خارجه، فإن امتدت فثَمَّ خلاء، وإلا فثم ملأ، فأجابوا باختيار أنها لا تمتد، لكن لا لوجود ملأ، بل لعدم شرط الامتداد، وهو الخلاء.

أقول: وهذه القضية قريبة من سابقتها، فإن الفطر قاضية بأن الخلاء والملأ إذا فُقد أحدهما وُجِد الآخر، وعلى هذا ففقدُ الخلاء معناه وجود الملأ.

الخامسة: مذهب المتكلمين أن الخلاء أمر عدمي، والأعدام قديمة. واستدل الفلاسفة على أنه أمر وجودي بأنه يشار إليه ويتقدر. ومما يدفع ذلك أنهم يقولون: ليس وراء العالم خلاء ولا ملأ. فلنفرض أن الله عز وجل خلق وراء العالم جدرانًا، وخلق لها خلاءً (٢) تقوم فيه، وتكون بحيث يأتلف منها بناءٌ مربَّع يبقى جوفُه على ما كان عليه، فإن ذاك الجوف يكون مشارًا إليه متقدرًا، مع أنه بات على ما كان عليه. والعقول الفطرية يمكنها أن تتصور أن [٢/ ٣٥٦] يكون الكون كلّه جسمًا واحدًا مثلًا، وأن تتصور عدم الأجسام، وأن يكون الكون كله خلاءً؛ ولا تتصور ارتفاع الأمرين. وهذا يقضي بأن الخلاء


(١) البيت لابن الذروي في «الوافي بالوفيات» (٣/ ١١٦).
(٢) أي بناء على زعمهم أن الخلاء أمر وجودي. [المؤلف].