[ل ٣٤] الحمد لله الذي رَفَعَ الحقَّ وأوضح منارَه، ودَحَضَ شأنَ الباطل وخَفَضَ أنصارَه. وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده، لا شريكَ له؛ وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ونبيُّه، بالهدى ودين الحق أرسلَه. اللهمَّ فصلِّ وسلِّم على نبيِّك المرسَل، وحبيبكَ الأكمل: سيِّدِنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأحبابه.
أما بعد ــ عبادَ الله ــ فأوصيكم ونفسي بتقوى الله. فاتَّقُوا الله في السرِّ والعلانية، وراقِبُوه مراقبةَ أصحابِ القلوبِ الخاشية. وإيَّاكم والأمن من مكره، والقنوطَ من برِّه. واعلموا أنَّ عصيانَه سببُ خلود الجحيم، وأنَّ طاعتَه سببُ النعيم المقيم. فطُوبَى لمن وفَّقَه الله لطاعته فالتزمَها، وعَصَمه عن معصيته فاجتنبَها. وويلٌ لمن أضلَّه على علمه، فارتكب سبيلَ البغي والظلم، فوقع في العذاب الأليم، وحُرِّمت عليه رائحةُ النعيم.
ابنَ آدم، حتَّام يمتدُّ أملُك، ويتقاصر عملُك؟ كلَّ يومٍ خطيئةٌ بعد خطيئة، وزلَّةٌ بعد زلَّة، ونسيانٌ بعد نسيان، وغفلةٌ بعد غفلة. وأنت تَعِدُ نفسَك بالتوبة وتُماطِلها، ولا يزال متراكمًا غيُّها وباطلُها. فإلى متى لا تُقلِع عن جهلِك، وقد علمتَ أنَّ الموت أقرَبُ من ظلِّك؟ أطامعٌ في الخلود، أم مكذِّب بالموعود؟
ابنَ آدم، ألم تَقُمْ عليك الحجَّة؟ ابنَ آدمَ، ألم تتبيَّنْ لك المحجَّة؟ ابنَ آدم، إلى متى التغافُل؟ ابنَ آدم، إلى متى التجاهُل؟ تستعمِلُ نعمَ الله في معصيته، وتستعينُ بفضله على معاندته!