للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل أقول: قضية كلامهم أنه لو وقف أحدهم بين يدي الله تعالى، وعَلِمَ يقينًا أن الذي يخاطبه هو الله تعالى، غير أنه لا يراه ولم يكن ثبت عند هذا الرجل بدليل عقلي جواز رؤية الله عز وجل في الآخرة، فقال له الله تعالى: إن المؤمنين سيرونني بأعينهم في الآخرة= لكان عندهم على الرجل أن لا يجزم بذلك، مهما تكرَّر إخبارُ الله تعالى بالرؤية وبعدم امتناعها، بل عليه أن يطالب الله عز وجل بدليل عقلي على الجواز. فلو لم يُسمِعه الله تعالى دليلًا، ورجع، فلقي رجلًا آخر، فأخبره، فذكر له الرجلُ قياسًا من مقاييسهم التي تقدَّم حالُها في الباب الأول يدل على الجواز، فنظر، فلم يتهيأ له قدحٌ فيه= لصدَّق حينئذ. وكذلك لو لم يذكر صاحبه قياسًا، ولكن أراه عبارةً لابن سينا تُصرِّح بعدم الامتناع.

فهذه قضية ذاك القول، بل هذه ثمرة التعمق، بل هذه من مقتضيات دعوى الإمامة بغير حق. بل هذه من نتائج استكراه العقل على أن يخوض فيما لم يُحِط به علمًا، ثم إذا سكن إلى شيء والتزمه كان عليه أن يهدم كل ما خالفه. بل هذه عقوبة الخروج عن الصراط المستقيم، واتباعِ غير سبيل المؤمنين، والرغبةِ عن طريق السلف الصالحين.

وفوق هذا كلِّه، فإن كثيرًا من النصوص التي ينكر المتعمقون ظواهرها كانت عقول المخاطبين الأولين تقطع بوجوب ما دل عليه بعضها، وجواز ما دل عليه الباقي، كما مرَّ في الكلام مع ابن سينا، ويأتي طرفٌ منه في مسألة الجهة وغيرها. فاحتمال الامتناع العقلي كان منتفيًا عندهم، فعلى فرض بطلان بعض تلك المعاني، يلزم أن تكون كذبًا قطعًا حتى على زعم أن احتمال الامتناع العقلي قرينة.