النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قامت عنده البراهين العقلية اليقينية على أنه نبي صادق، وآمن به، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخبر يتعلق بتلك العقائد= لقال الرازي: لا يمكنني أن أعلم أن هذا المعنى الظاهر الواضح من كلامك هو مرادك، لاحتمال أن تكون أردتَ خلافه. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لم أرد إلا هذا المعنى وهو الظاهر الواضح، وهو كيت وكيت، لقال الرازي: كلامك هذا الثاني كالأول. فلو أكَّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقسم بآكد الأقسام لقال الرازي: لا تتعب يا رسول الله، فإن ذاك الأمر الذي دلَّ عليه خبرُك يحتمل أن يكون ممتنعًا عقلًا، وما دام كذلك فلا يمكن أن أثق بمرادك. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ليس بممتنع عقلًا، بل هو واقع حقًّا، لقال الرازي: لا يمكنني أن أثق بما يفهمه كلامك، مهما صرَّحتَ وحقَّقتَ وأكَّدتَ حتى يثبت عندي ببرهان عقلي أنه غير ممتنع عقلًا!
فليتدبر العاقل هل يصدر مثل هذا ممن يؤمن بأن محمدًا رسول الله، وأنه صادق في كل ما أخبر به عن الله؟ مع أن من هؤلاء من يكتفي في إثبات عدم الامتناع العقلي بأن يرى في بعض كتب ابن سينا عبارةً تصرِّح بذلك، وإن لم يكن فيها ذكر دليل عليه. فعلى هذا لو كان أحدهم مكان الرازي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب «الشفاء» ــ مثلًا ــ لابن سينا في باب كذا، فنظر فوجد تلك العبارة المصرِّحة بعدم الامتناع، لصَدَّق [٢/ ٣٢١] وقال: اطمأنَّ قلبي. لكن لو قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر كتاب الله تعالى في سورة كذا، فنظر فوجد آية أصرحَ من عبارة ابن سينا وأوضحَ، لَما اعتدَّ بها؛ بل لقال: حال هذه الآية كحال كلامك يا رسول الله، لأنه يحتمل عندي أن يكون هذا المعنى ممتنعًا عقلًا!