للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضوانه، ومن عذابه الخالد إلى نعيمه الدائم. ولم يلتفتوا إلى ذلك مع وضوح الحُجّة، وإنما كان همُّهم أنه يدعوهم إلى خلاف هواهم.

ومن وجه آخر ابتلى الله عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم بأن قَبَض أبويه صغيرًا، ثم جدَّه، ثم عمَّه الذي كان يحامي عنه، ثم امرأتَه التي كانت تؤنسه، وتُخفِّف عنه. ثم لم يزل البلاء يتعاهده صلى الله عليه وآله وسلم، وتفصيل ذلك يطول. وهذا وهو سيدُ ولد آدم وأحبُّهم إلى الله عز وجل.

فتدبرْ هذا كلَّه لتعلم حقَّ العلم أنَّ ما نتنافس فيه ونتهالك عليه من نعيم الدنيا وجاهها ليس هو بشيء في جانب رضوان الله عز وجل والنعيم الدائم في جواره؛ وأنَّ ما نفرُّ منه من بؤس الدنيا ومكارهها ليس هو بشيءٍ في جانب سخط الله عز وجل وغضبه والخلود في عذاب جهنم.

وفي "الصحيح" (١) من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتَى بأنعَمِ أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصْبَغ في النار صَبغةً، ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قطّ؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ. ويؤتَى بأشدِّ الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصْبَغ صَبغةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيتَ بؤسًا قط، وهل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ ما مرَّ بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط".

٣ - يفكِّر في حاله بالنظر إلى أعماله من الطاعة والمعصية. فأما المؤمن فإنه يأتي الطاعةَ راغبًا نشيطًا لا يريد إلا وجه الله عز وجل والدار الآخرة. فإن عرضت له رغبة في الدنيا، فإلى الله تعالى فيما يرجو معونته على السعي


(١) أخرجه مسلم (٢٨٠٧).