للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يبصُق في وجهه ــ بأبي هو وأمي ــ، وهذا يحاول أن يضع رجليه على عنقه إذا سجد لربه، وهذا يضع سَلَى (١) الجَزور على ظهره وهو ساجد، وهذا يأخذ بمجامع ثوبه ويخنُقه، وهذا ينخُس دابته حتى تُلقيه (٢).

وهذا عمُّه يتبعه أنَّى ذهب، يؤذيه ويُحذِّر الناسَ منه ويقول: إنه كذَّاب، وإنه مجنون. وهؤلاء يُغْرون به السفهاء، فيرجمونه حتى تسيل رجلاه دمًا. وهؤلاء يحصرونه وعشيرته مدة طويلة في شِعْب ليموتوا جوعًا. وهؤلاء يعذِّبون من اتبعه بأنواع العذاب، فمنهم من يُضْجِعونه على الرمل في شدة الرمضاء ويمنعونه الماء، ومنهم من ألقوه على النار حتى ما أطفأها إلا وَدَكُ ظهره، ومنهم امرأةٌ عذَّبوها لترجع عن دينها، فلما يئسوا منها طعنها أحدُهم بالحربة في فرجها، فقتلها (٣). كلُّ ذلك لا لشيء إلا أنه يدعوهم إلى أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، [٢/ ١٩٣] ومن الفساد إلى الصلاح، ومن سخط الله إلى


(١) السَّلَى: غشاء يحيط بجنين البهيمة.
(٢) علق الشيخ عبد الرزاق حمزة: نخسُ الدابة كان لزينب بنت الرسول، فسقطت عنها وأجهضت حينما هاجرت رضي الله عنها.
يقول المؤلف: بل روي مثل ذلك في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه. راجع ترجمة ضباعة بنت عامر من "الاصابة" [١٤/ ٧ ط. دار هجر، قال الحافظ: هذا مع انقطاعه ضعيف].

قال الألباني: لكن في إسناد الرواية المشار إليها: الكلبي، وهو متهم.
(٣) من تدبر هذه الحال علم أنها من أعظم البراهين على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في دعوى النبوة. فإن العادة تُحيل أن يُقدِم مثله في أخلاقه وفيما عاش عليه أربعين سنة لما يعرِّضه لذلك الإيذاء ثم يصبر عليه سنين كثيرة وله عنه مندوحة. ولهذا كان العارفون به من قومه لا ينسبونه إلى الكذب وإنما يقولون: مسحور، مجنون. قال الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]. [المؤلف]