للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنس التبرع بالمنافع كالعارية ... لا من باب المعاوضات، فإن باب المعاوضات أن يُعطِي كلٌّ منهما أصلَ المال على وجهٍ لا يعود إليه، وباب القرض من جنس العارية والمِنْحة وإفقارِ الظَّهر، مما يُعطَى فيه أصل المال لينتفع بما يستخلف منه، ثم يعيده إليه بعينه إن أمكن، وإلّا فنظيره».

ونقل المستفتي عباراتٍ عن كتب الحنفية في التفرقة بين البيع والقرض، حاصلُها: أن البيع مبادلةُ مالٍ بمالٍ بالتراضي ليس فيها معنى التبرع، وقال بعضهم: لا على وجه التبرع. والبيع مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوبٍ فيه. وأما القرض فإعارةٌ، حتى يصح بلفظ «أعرتُكَ»، وتبرُّعٌ حكمًا، وإن كان مبادلةً صورةً، وهو اصطناع معروفٍ وصلة. ثم منهم من قال: هو تبرعٌ ابتداءً مبادلةٌ انتهاءً. ومنهم من قال: تبرعٌ ابتداءً وانتهاءً؛ لأن بدله كأنه عين المقبوض، ولولا ذلك لكان ربًا.

وزاد صاحب الاستفتاء قوله: «والحق أن المبادلة في البيع ركنٌ، وفي القرضِ ليس بركنٍ، نعم يستلزمه، وفرقٌ ما بين الالتزام واللزوم؛ لأن مقصود المشتري هو المبيع، ومقصود البائع هو الثمن، وغرضُ كلٍّ منهما إخراجُ ما في ملكه وتحصيلُ عوضه، والأحكام تترتب على الالتزام لا على اللزوم».

أقول: إذا أُعطي الرجل باسم القرض خمسة آصُعٍ تمرًا رديئًا، وشرط أن يردَّ له خمسة آصُعٍ تمرًا جيدًا مثلًا، كانت هذه مبادلة مالٍ بمالٍ بالتراضي لا على وجه التبرع، لأن حقيقة التبرع هو إعطاء الشيء مجَّانًا بلا عوضٍ.

[ص ٢] فإن قلت: إن الهبة تبرع، ومع ذلك فقد قال الحنفية بأن الهبة المطلقة يكون لصاحبها الرجوعُ فيها إلّا في صور، منها: أن يعطيه الموهوب