فدلَّ هذا الحديث أن الناس في خلافة عمر تركوا الصلاةَ في بيوتهم إلى الصلاة في المسجد، فرأى عمر رضي الله عنه أن الأمر الذي لأجله قطعَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخروجَ للصلاة بهم ــ وهو خشية أن يُكتَب ذلك ــ قد انتفى، لإكمال الدين وانقطاع التشريع بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر الذي لأجله أرشدهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ترك الصلاة في المسجد ــ وهو الصلاة في بيوتهم ــ قد تركوه من ذاتِ أنفسهم، ولعله رأى أن أمرهم بأن يصلُّوا في بيوتهم ربما يُؤدِّي إلى تكاسُلِ بعضهم، مع أن غاية الأمر أنه أفضل فقط، وإلا فالجميع من السُّنَّة، لا جَرَمَ رأى أن جَمْعهم على قارئ واحدٍ أقربُ إلى السنة من بقائهم أوزاعًا، لموافقته لفعله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليالي، مع زوال المانع الأول، ومع إعراض الناس عن الصلاة في بيوتهم، ومع ذلك فأرشدهم إلى الأكمل بقوله:"والتي ينامون عنها أفضل" يريد ــ والله أعلم ــ بذلك الصلاةَ في البيوت، لأنهم إنما ينامون في بيوتهم.
والحاصل أن السنة في صلاة الليل مخيَّرة بين أقسام:
إما أن يصلِّي الرجل في بيته، وهذه هي الأفضل.
وإما أن يصلّيها في المسجد منفردًا، ويصلِّي كلُّ رهطٍ وحدهم، وهذا هو الذي رأى عمر رضي الله عنه الصحابة يفعلونه.
وإما أن يصلُّوا في المسجد بإمامٍ واحد، وهذا هو الذي فعله صلى الله عليه وآله وسلم بهم لياليَ، ثمَّ عدلَ عنها خشيةَ أن يُكتب. وأما قول عمر رضي الله عنه:"نعمتِ البدعة" فأراد ــ والله أعلم ــ الأمر المبتدع بعد أن كان العمل على خلافه، وهذا إنما هو بالنسبة إلى تلك المدة التي بينَ تركه