للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يُفتِ إلا بما تبيَّن له بعدُ أنه الحق. وكان العاميُّ يأخذ بفتوى عالم (١)، ثم إذا قيل له: إنه أخطأ، رجع فأخذ بما يترجح عنده أو احتاط لدينه.

وامتاز جماعة من العلماء بالتوسّع في العلم والتجرُّد لنشره مع الفضل والصلاح إلى أسباب أُخَر اقتضت أن يكثر أصحابهم ويُعنَوا بأقوالهم ويُمعنوا في ذلك. فهؤلاء أصحاب المذاهب.

لم يكن أولئك الأئمة يشعرون بأنها ستنشأ لهم مذاهب على هذا النحو المشاهَد أو قريب منه، وأقوالُهم وأحوالهم تبيِّن ذلك. ومن ألَّف منهم الكتب إنما ألَّفها تبليغًا لما فيها من السنة وتنبيهًا على ما تنبَّه له من الدّلالات وتعليمًا لوجوه النظر والاستنباط. وكانوا هم أنفسهم يمتنعون عن الجواب في كثير من المسائل، ويتوقفون عن الجزم في حكمها إذا ذكروها في كتبهم، ويقولون القول ثم يظهر لهم خطاؤه فيرجعون عنه، [ص ٢] وينهون أصحابهم عن تقليدهم وتقليد غيرهم، ويأمرونهم بالنظر لأنفسهم واتباع الدليل كما ذكره المزني في أول "مختصره" عن الشافعي (٢)، وذلك فرضُ الله تبارك وتعالى على هؤلاء وهؤلاء.

وكانوا يقرُّون العامة على ما جروا عليه إلى زمانهم؛ يستفتي العاميُّ فيما ينوبه مَن يلقاه من العلماء بدون تقيُّدٍ بمعيَّن. وجرى على ذلك أصحابُهم


(١) من قوله: "إذا تبيَّن له" إلى هنا ضرب عليه المؤلف أولًا ثم كتب فوقه: "صح" عدة مرات لطول الكلام.
(٢) قال: "اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله لأقرِّبه على من أراده مع إعْلامِيه نهيَه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه. وبالله التوفيق".