ببعض ما قد تبيَّن له، فكذلك يشقُّ عليه أن يتبيَّن له، فيشقُّ عليه أن يتبيَّن بطلانُ دينه، أو اعتقاده، أو مذهبه، أو رأيه الذي نشأ عليه، واعتزَّ به، ودعا إليه، وذَبَّ عنه، أو بطلانُ ما كان عليه آباؤه وأجداده وأشياخه، ولاسيّما عندما يلاحظ أنه إن تبيَّن له ذلك تبيَّن أن الذين يُطريهم ويعظِّمهم، ويُثني عليهم بأنهم أهل الحق والإيمان والهدى والعلم والتحقيق، هم على خلاف ذلك، وأن الذين يحقِرهم ويذمُّهم ويسخَر منهم وينسبُهم إلى الجهل والضلال والكفر هم المُحِقُّون. وحسبك ما قصَّه الله عز وجل من قول المشركين، قال تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢].
فتجد ذا الهوى كلَّما عُرِضَ عليه دليل لمخالفيه أو ما يُوهن دليلًا لأصحابه شقَّ عليه ذلك، واضطرب، واغتاظ، وسارع إلى الشغب. فيقول في دليل مخالفيه: هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات، وهذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ والضلال .... ويؤكد ذلك بالثناء على مذهبه وأشياخه، ويعدِّد المشاهير منهم، ويُطريهم [٢/ ١٨٢] بالألفاظ الفخمة، والألفاظ الضخمة، ويذكر ما قيل في مناقبهم ومثالب مخالفيهم، وإن كان يعلم أنه لا يصح، أو أنه باطل!
ومن أوضح الأدلة على غلبة الهوى على الناس أنهم ــ كما تراهم ــ على أديان مختلفة، ومقالات متباينة، ومذاهب متفرقة، وآراء متدافعة؛ ثم تراهم كما قال الله تبارك وتعالى:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: ٥٣].
فلا تجد من ينشأ على شيء من ذلك ويثبُت عليه يرجع عنه إلا القليل.