للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البقاء لا أن تصطلم بالعذاب، وقُضي لمحمد أن تطول معالجتُه لأمته كما طالت معالجة موسى لأمته، ووجوه الشبه كثيرة؛ ولهذا أتى القرآن بذكر موسى في مواضع كثيرة، منها عقب آية الإسراء، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: ١ - ٢].

هذا، وحديث الإسراء ثابت مستفيض من رواية جماعة من الصحابة، وعليه إجماع الأمة، ولايضرّه أن يجهل بعض الناس حِكْمة عالم الغيب والشهادة في بعض ما اشتمل عليه، ولا أن يكفر به من يكفر. والله الموفق.

[ص ٨٦] قال أبو ريَّة ص ١٢٤: (هل يجوز رواية الإسرائيليات؟)

أقول: المعلوم دينًا وعقلًا أن الأخبار إنما تُحْظَر روايتها إذا ترتَّبت عليها مفسدة، وقد كثر في القرآن والسنة حكاية ما هو حق من الإسرائيليات وحكاية ما هو باطل مع بيان بطلانه، فدلّ ذلك على جواز ما كان من هذا القبيل، وبقي المحتمل، وما لا تظهر مفسدة في روايته على أنه محتمل.

قال أبو ريَّة: (روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فغضب وقال: أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتَّبعني. وفي رواية: فغضب وقال: جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به).

أقول: هذا من رواية مُجالد عن الشعبي عن جابر (١)، ومجالد ليس


(١) أخرجه أحمد (١٤٦٣١)، وأبو يعلى (٢١٣٥)، والبيهقي: (٢/ ١٠ ــ ١١).