للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢/ ٣٠٤] المقصد التاسع

قال السلفي: المقصد التاسع مبنيٌّ على ما قبله، وقد عُلِم حالُه. وما ذُكِر من أن الفرض على هؤلاء كذا وعلى هؤلاء كذا، لم يذكره ابن سينا؛ ولكنه قد يؤخذ من كلامه. وقد نحا الغزالي في بعض كتبه قريبًا من هذا المنحى. وصرَّح به ابن رشد في كتبه (١)، وزاد، فأوجب على «الخاصة» أن يكتموا نتائج تعمُّقهم المخالفة للدين، وأن إظهارها كفر لأنَّه يحمل العامةَ على الكفر.

وأقول: كان الحق على المتعمِّقين عند ما يرون مخالفةَ بعض نتائج تعمقهم للدين أن يعملوا بنصيحة ذاك الفريق من الفلاسفة القائلين: إن النظر المتعمَّق فيه لا يوثق به في الإلهيات، كما تقدَّم في الباب الأول. وحينئذ يحصرون تعمُّقَهم في البحث عن الطبيعيات ونحوها، فإن أبى أحدهم فَلْيقصُرْ داءه على نفسه، فلا يعلِّم ولا يصنِّف ولا يناظر. فإن اضطُرَّ إلى الذبِّ عن الدين فَلْيَخلُ بمن يطعن في الدين، وَلْيقل له: لم يَخْفَ عنَّا ما بدا لك، ولكن عرفنا ما لم تعرف. فإن الشرائع الحقة جاءت بما تنكره، فإما أن يكون الحق ما جاءت به؛ إذ من المحال أن يخطئ الله وأنبياؤه، وتصيبَ أنت بنظرك الذي قد جرَّبتَ عليه الخطأ والغلط غير مرة. وإما أن تكون الشرائع جاءت بما يُصلح الجمهورَ على علمٍ بما فيه. وعلى كلا الحالين لا ينبغي معارضتُها، فإن أبيتَ فإني أرى عليَّ أن أردَّ عليك، وأقدح فيما تستدل به.

أقول: ومَنْ تأمَّلَ طرقَ استدلالهم ومناقضاتهم ومعارضاتهم عَرَفَ أنه لا


(١) انظر «الكشف عن مناهج الأدلة» (ص ٤٥) طبعة دار الآفاق، بيروت.