للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا في العبادات المتعبَّد بعملها، وأمَّا في الاعتقادات فليس كذلك؛ إذْ هي مبنيّةٌ على القطع، ولا سبيل إليه، بل ولا إلى الظنِّ؛ لتعارض ظواهر الآثار، ولم يكونوا أنفسهم رضي الله عنهم يشتغلون بمثل هذا، بل ورد أنَّ كلًّا منهم كان يقول بفَضْل الآخر عليه، مع أنَّه ما منهم إلَّا من كان يتحدَّث بنعمة الله، ولاسيّما سيدنا علي فيما أوتيه من العلم.

فكيف يغمط نفسه حقَّها بتفضيل أبي بكرٍ وعمر على نفسه؟! وكذلك أبو بكر بتفضيله سيدنا عليًّا على نفسه، وغير ذلك.

فإن قيل: كان ذلك ظنَّهم بأنفسهم. قلنا: فهل يعرف غيرُهم منهم ــ ولاسيّما بعد مرور هذه الأعصار ــ ما جهلوه من أنفسهم؟!

فأمَّا كون أحدهم كذب بذلك فلا يقوله أحدٌ.

وقد كان السلفُ لا يهمُّهم إلَّا تعظيم الجميع، بحيث لا ينقص أحد منهم، ولا يهتمون بالتَّفضيل، وإن قالوا به بحسب الظنِّ فلا يلومون أحدًا خالفهم في ذلك، أو يعنِّفون عليه، كما رُوِي ذلك عن معمر ووكيع، كما في "الاستيعاب" في ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (١).

وكلُّ مُفضِّل لا يخلو عن تعصُّبٍ، والدليل عليه أنّه إذا قال بتفضيل أحدهم ثم ورد ما يدلُّ على أفضلية الآخر تكدَّر لذلك، وتمنَّى أن يظفر بما يَردُّ ذلك الوارد ويُبطله، إلى غير ذلك.

فكلُّهم ساداتنا، أفاضلُ الأمر رضي الله عنهم وعنّا.


(١) (٣/ ١١٥٠)، وعزاه لعبد الرزاق.