قال تبارك وتعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]، وعبادته سبحانه وتعالى هي طاعته، وطاعتُه هي امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فلذلك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وعلّمهم الكتابَ والحكمةَ، ليبينوا للناس أمرَ الله عز وجل ونهيَه، فيكون لمن أراد أن يقوم بما خُلق لأجله سبيلٌ إلى معرفته، فيسعى في تحصيله، وذاك السعي بنفسه عبادة، وتقوم الحجة على من لم يُرِد ذلك، فيحيا من حيَّ عن بيّنة، ويَهْلِك من هلك عن بيّنة.
ولما قضى سبحانه وتعالى أن نبوّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وشريعتَه خاتمةُ الشرائع قضى أن تبقى محفوظةً إلى قيام الساعة، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
والذِّكْر متناولٌ للسنة إن لم يكن بلفظه فبمعناه؛ لأن المقصود من حفظ القرآن إنما هو حفظ ما يعلم به أمر الله عز وجل ونهيه، وهذا ثابت للسنة.
ومَنْ أوفى بعهده من الله؟ فقد وفّى سبحانه وتعالى بعهده، فقيَّض للدين حَفَظَة، وللسنة نَقَلَة.
فإن قيل: قد اختلط بها ما ليس منها.
قلنا: أما أن تلتبس بها ألبتة بحيث لا يمكن تمييز الحق من الباطل، فلا والله.
وأما بحيث يشتبه، فيتوقف التمييز على النظر والاجتهاد، فنعم، وتلك سنة الله عز وجل.