في تحقيق السلطان الفاصل بين عبادة الله تعالى وعبادة غيره
قد علمتَ فيما تقدم أنَّ الفرق بين عبادة الله تعالى وعبادة غيره هو السلطان، فكلُّ عبادة كان عند صاحبها سلطان بها من الله تعالى فهي عبادة لله عزَّ وجلَّ، وكلُّ عبادة ليست كذلك فهي عبادة لغير الله تعالى. والسلطان هو الحجة، وقد تكون الحجة يقينية وقد تكون ظنية، [٦٠١] فهل تكفي الحجة الظنية هاهنا، أعني إذا تعبد رجل عبادة عنده بها من الله عزَّ وجلَّ سلطان يثبت به الظن لا القطع، فهل تكون تلك العبادة لله عزَّ وجلَّ أو لا يكون عبادة لله عزَّ وجلَّ إلا ما كان به سلطان قطعي؟
اعلم أنَّ القطعيَّ على ضربين:
الأوَّل: ما هو نفسه قطعي, كالآية القطعية الدلالة والسنة المتواترة القطعية الدلالة ونحو ذلك.
الثاني: ما ليس هو نفسه قطعيًّا، ولكن قد قام الدليل القطعي على أنه حجة يجب العمل بها، وذلك كخبر الواحد؛ فإنه ليس قطعيًّا لجواز خطأ بعض الرواة وغير ذلك، ولكن قد قام الدليل القطعي على وجوب العمل بخبر الواحد بشرطه، فإن مجموع ما احتجّ به العلماء في إيجاب العمل بخبر الواحد يفيد القطع بمجموعه، وإن قيل: إن كل فرد من تلك الأفراد لا يفيد القطع.
وعليه فيقال في استحباب صيام ست من شوال: إنه وإن لم يثبت ثبوتًا قطعيًّا لكن وجوب العمل به قطعيٌّ؛ لأنه خبر واحد مستجمع لشروط القبول، وخبر الواحد المستجمع لشرائط القبول يجب العمل به قطعًا.