للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فقضية أبي طالب تدل أن الكافر قد يُجزى في الآخرة ببعض أعماله الخيرية.

قلتُ: ليس في قصة أبي طالب أنه جُزي بعمله، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ولولا أنا لكان في [الدَّرْك الأسفل من النار]» (١).

فيحتمل أن يقال: لم يُخفَّف عنه مما يستحقه، فكل من كان مثله فإنما يستحقُّ مثل ذلك؛ لأنه لم يكن له أعمال سيئة غير التوقُّف عن التلفظ بالشهادة. وقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لولا أنا» أي كنتُ سببًا لمنعه عن ارتكاب الأعمال التي تقتضي زيادة العذاب.

ويحتمل أن يقال: إنه خُفِّف عنه بشفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو المتبادر من قوله: «لولا أنا ... ». لكن يُعارض هذا قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: ١٨]، إلا أن تؤوَّل الآية في الشفاعة في الآخرة؛ وشفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي طالب وقعت في الدنيا. أو يقال بتخصيص الآية، وفيه نظر.

ويحتمل أن يقال: قد وقع التقييد في بعض الأدلة القاضية بأن الكافر يوفَّى جزاءه في الدنيا بمن يريد الحياة الدنيا وزينتها. فإذا حُمل المطلق على المقيَّد، احتمل أن مَن كان مِن الكفَّار يريد الآخرة كضُلَّال أهلِ الكتاب ربما يُجزى في الآخرة ببعض أعماله فيخفَّف عنه العذاب، فلعلَّ أبا طالبٍ كذلك.


(١) أخرجه البخاري (٣٨٨٣) ومسلم (٢٠٩/ ٣٥٧).