المتأخرين فيه نظر، فإنْ صحَّ فكأنهم مرّوا بشجر مثمر فخرصوه يجرِّبون حَدْسهم، وخَرَصها النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءت على خلاف خرصه. ومعلوم أن الخرص حَزْر وتخمين، فكأنَّ الخارص يقول: أظن كذا. وقد مَرّ حكمه. والله أعلم.
وقال أبو رية قبل هذا:(وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصدّق بعض ما يفتريه المنافقون، كما وقع في غزوة تبوك وغيرها، وصدَّق بعض أزواجه، وتردد في حديث الإفك .. حتى نزل عليه آيات البراءة).
وذكر ص ١٤٢ عن صاحب "المنار": ( ... والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر [ص ١٩] يحمل كلام الناس على الصدق؛ إذ لم تحف به شبهة، وكثيرًا ما صدَّق المنافقين والكفار في أحاديثهم. وحديث العرنيين وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك .. إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلُّف عن غزوة تبوك، وما علَّله به وهو قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[التوبة: ٤٣] وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدِّقوا الكاذب فيما لا يخلّ بأمر الدين ... ).
وذكر ص ٢٢ عن عياض حديث: ("فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له". وفي رواية:"ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ... ").
أقول: لم يكن - صلى الله عليه وسلم - يعلم من الغيب ما لم يُعْلِمْه الله تعالى به، ولم يكن ــ بأبي وأمي ــ مغفَّلًا، ولم يصدّق المنافقين أي يعتقد صدقهم، بل ولا ظنَّه،